الصفحات

الأربعاء، 27 مارس 2013

تاريخ جبل شمر في القرن العاشر الهجري

تاريخ جبل شمر في القرن العاشر الهجري


يعد تاريخ جبل شمر ابان القرن العاشر الهجري من أهم التواريخ  لنا وعلى الرغم من ضبابيته وغموضه وشح المادة التاريخية المكتوبة حيث لم يصلنا من هذا التاريخ سوى إشارات بسيطة وردت لنا عن طريق الروايات والإشعار الشعبية التي علقت في أذهان الرواة جيلا بعد جيل  وهذه الإشارات التاريخية تعتبر في نظري كباحث في تاريخ جبلي طيء وشمر هي إشارات ناقصة ومقتضبة السياق لا تفي  بغرض البحث التاريخي المتكامل والمترابط في أجزائه بشكل عام ومع ذلك فلا مانع من تتبع تلك الإشارات التي وردت من خلال تلك الروايات والأشعار الشعبية مع ما دونه المؤرخون والباحثون في  كتبهم التاريخية عن تاريخ جبل شمر في القرن العاشر الهجري


 ويبقى  تاريخ جبل شمر في القرن العاشر الهجري بنظري وبنظر أكثر الباحثين هو تاريخ مفصلي هام نتيجة لما ترتب علي احداثه من نتائج هامة كان لها الأثر المباشر في تبلور الشكل القبلي لقبيلة شمر ببطونها الثلاثة وتغير اسم الجبل من اسمه القديم جبل طيء الى اسمه الجديد جبل شمر فمن المعروف لنا ان بهيج بن ذبيان العبيدي الزبيدي كانت له زعامة في الجبل  على عشيرته العبيد الزبيدية ومقرها بلدة عقدة  في حقبة الطائيين وفقاً لما ذكره المؤرخون والباحثون من أمثال  الجاسر والعزاوي والظاهري والعثيمين والعريفي والسويداء وقد بنى هؤلاء كتاباتهم التاريخية على ماورد من قصص وأشعار يتناقلها الرواة الشعبيين في منطقة حائل  لكن تلك الروايات والقصص والاشعار القديمة  لم تسلم من عبث الرواة حديثا  فبالغة في زعامة بهيج بن ذبيان واضفت على تلك الزعامة زخم تاريخي  وثقل سياسي بقولها ان بهيج هو حاكم جبل طيء مع ان الصحيح  هو ان زعامة بهيج هي زعامة عشائرية وعلى عشيرته العبيد الزبيدية وملكه لم يتعدى عقده
   


 ويشير  العزاوي يرحمه الله بوضوح الى ان (هناك خصام وخلاف بين القبائل الطائية التي تقيم في جبلي طيءوان شمر من طيء بالتحالف مع قبائل قحطانية ازاحوا طيئا وزبيدا ودفعوهم الى انحاء العراق والشام وغيرها وحلوا محلهم)  مما يعني في تصوري ان هناك قبائل طائية محالفه لبهيج وهناك قبائل طائية محاربه له واعتقد ان بطن شمر الطائي المشهور والذي ذكره المؤرخون والنسابه من امثال الحموي والعمري والقلقشندي هو الذي حارب بهيج وقاد القبائل الطائية ضد هذا الزعيم ورجاله من زبيد وطيء الاخرين ويبدو لي ان بهيج كان يستقوي بالقبائل الطائية القوية كبني لام و يسعى الى مد نفوذه خارج عقده صوب اودية وقرى الجبل الشمالية خصوصا  توارن إلا ان محاولاته هو ورجاله من زبيد وطيء  باءت بالفشل وظل نفوذه منحصر في عقده
   فقد ذكر الراوي والنسابه اللوذعي الخال مهنا بن شايع بن نويشي الثنيان يرحمه الله( ان محمد بن ربيع العبدي الملقب بالاصفر جد الربيعية من عبده والفارس زميل بن محمد  السنجاري جد الزميل من سنجارة كانا يحاربان العبيد قوم بهيج وبني لام في شعاب توارن) ونستشف من رواية الراوي ابن نويشي ان هناك ارتباط بين العبيد قوم بهيج  وبني لام وهو بنظري ارتباط قائم على الحلف العسكري لمواجهة القبائل الطائية الاخرى  وعلى رأسها بنو شمر الطائيين وقد ساعدتنا روايته بخصوص قوله( العبيد قوم بهيج وبني لام) على معرفة ماكان يقصده المؤرخ والنسابة العزاوي بقوله (ان شمر ازاحوا قبائل زبيد وقبائل طيء الاخرين من جبلي طيء بعد وقائع وبيله(

فالواضح لي بعد هذا كله ان قبائل زبيد وقبائل طيء الاخرين الذين ذكرهم العزاوي هم العبيد قوم بهيج وبني لام الطائيين وان الخصام والخلاف الذي وقع بين قبائل طيء كان بسبب تحالف بني لام مع زبيد وزعيمها بهيج ضد بني شمر الطائيين

يدلنا على ذلك ان بني لام  كان يشار اليهم في الكتب التاريخية القديمة بأنهم اصحاب النفوذ والقوة  والسيادة في جبلي طيء  الى نهاية القرن العاشر الهجري تقريبا وان قواماتهم وحروبهم مع شمر حدثت بعد جلاء بهيج الى العراق فغزوة وديد بن عروج زعيم لام على شمر وقتله على يدهم لها دليل  على ان تلك الحروب والقوامات التي قادها اللاميين على شمر لاحقا ماهي إلا محاولة منهم لاسترداد مكانتهم وقوتهم السابقه في جبلي طيء

ويؤكد الراوي والاديب اللوذعي سعيد بن فهيد الهمزاني وهو من رواة شمر البارعين في الرواية الشعبية والاشعار كما ان لديه اطلاع واسع على المصادر التاريخية المكتوبة حيث زودني ابنه الأخ الأديب ابو حاضر مشكوراَ ببعض اشعار والده والتي تفيد ان الضياغم تحالفوا مع شمر (ال ثعل) و اجلوا جميعهم  بهيج  وزبيد من الجبل يقول سعيد الهمزاني
حدّوا زبيدٍ عن نمى الغيد و الغيل
                                        
و قالوا لبهيجٍ غادره لو تجبرت
تحالفت شمّر بقدره و تأهيل
                                     و بهيج ما ينفعك لو كان غامرت
حلفٍ ما هو بالحبر تجلاه بمزيل
                                    ولاّ أنت منّا لو عدلتّ و تصبرت
و حلّوا بني ثعلٍ بالأملاك و نخيل
                                      و تبرّد أحقادك بمذحج و دمرت

ويقول ايضا
الى (بهيج السنبسي ) صاحب الدار
                                 هدّو بني ثعل رواسـي عزومـه

مع من وفد من دار همدان وصحار
                                     ضياغم تنحى على الضـد كومـه

دولة بني مذحج على الكود صبار
                                   يحيا وربيعة هم نـوادر جرومـه

من الواضح لي ان الراوي والاديب سعيد الهمزاني يشير بوضوح الى ان الضياغم حالفوا شمر على حرب بهيج حتى تم اجلاؤه من عقده

وفي قصيدة اخرى يسندها الى صديقه نزال ابو صقر الصقري يمتدحه ويثني على ربعه القني خاصة وزوبع شمر عامه يقول سعيد الهمزاني
                   وربعك حوارث طي ترهب جروده 
                                      أجلو بهيج عن الجبل مع تلاعه
                   و بهيج عن جاله تكسّر شنوده
                                   و أعتاض عن عقده هماج اللعاعه
                و حاول يبرّد يالضياغم لهوده
                                   و حدّوه ما جابوه سمعٍ و طاعه
               من عقب ماهو غازيٍ عاف فوده
                                   عنه الشجاعة و الأحابيل ضاعه
 
 وقد اختلف اكثر المؤرخين والنسابة حول نسب بهيج فالبعض ذكر انه من قبيلة سنبس الطائية والبعض الاخر ذكر انه من قبيلة زبيد المذحجية وهم العزاوي والظاهري والعثيمين فالعزاوي يقول ان بهيج هو جد القبائل الزبيدية ومن المعروف لنا ان قبيلة طي وزبيد تلتقيان في ادد بن كهلان بن قحطان وعلى الرغم من اختلافات المؤرخين والنسابة حول نسب بهيج إلا انني اتفق مع العزاوي والظاهري والعثيمين وارجح  نسبته الى قبيلة زبيد المذحجية للاسباب التالية

  
1-ان قبيلة زبيد كان لها تواجد حول الجبلين في القرن السابع والثامن والتاسع الهجري وقد ذكرها المؤرخون انها من ضمن القبائل الطائية احلاف امارة ال فضل بن ربيعة الطائية من امثال القلقشندي وابن خلدون وغيرهم

2- ان تواجد القبائل الزبيدية في ارض القبائل الطائية (الجبلين) هو امر وارد بسبب القرابة التي تجمع بينهما فطيء ومذحج اخوان هم ابناء ادد بن كهلان بن قحطان
3- ان بهيج بن ذبيان اشار الى نسبه صريحاً في شعره عندما اخرجته القبائل الطائية(شمر) من املاكه كما يزعم فهو يقول عين الزبيدات لنجد مائل ولم يقل عين الطائيات او السنبسيات
4- ان مؤرخي عشائر العبيد والجبور في العراق يقولون ان بهيج بن ذبيان منهم فبهيج عندما احس بالضيم والضيق بعد ان ضيقوا عليه الخناق (شمر

لجأ الى عصبته وقبيلته وهاجر الى العراق ولم يهاجر الى أي مكان اخر والمعروف لنا ان قبيلة بهيج هي قبيلة العبيد فاحياناً يقال له بهيج العبيدي واحياناً الزبيدي فالعبيد تعود الى زبيد
5 ـ ان الذي احدث الخلط ونسبة بهيج الى قبيلة سنبس الطائية هو ربما بسبب ارتباط بهيج بالسنبسيين الطائيين عن طريق الحلف  ولو كان منهم لما تحالفت القبائل السنبسية مع غيرها من الطائية ضده لان لدينا رواية تقول ان قبيلة سنبس تمثل شريحة واسعة من شمر في الوقت الحاضر

والمهم بالامر ان بهيج فقد زعامته وملكه في عقده بسبب ان تصرفاته لم ترض القبائل الطائية المتواجدة في الجبل خصوصاً اتباعه وفي تصوري ان بهيج كان يسعى لمد نفوذه الى مناطق اوسع من عقده في جبل اجا إلا انه لم ينجح في ذلك وظل نفوذه في عقده يتضعضع حتى تم حصاره واخراجه من عقده

والسؤال الذي يطرح نفسه كيف استطاع بهيج ان يصبح زعيم له زعامة  في  عقده بوجود زعماء قبيلة طيء من امثال ابن بقار الاسلمي سليل ابن طريف الطائي واقدم شيوخ شمر في الجبل ويبدو لي انه لم يصل الى هذه الزعامة إلا بوجود داعم قوي يواليه بهيج فهناك رواية تشير الى انه يوالي امارة الجبور في شرق الجزيرة ونجد لان الجبور قامت امارتهم في عام 850هـ وانتهت 931هـ وربما تلقى الدعم من هذه الامارة ولااستبعد ان يكون بهيج قد كلف من قبل الجبور في تثبيت نفوذهم السياسي في جبلي طيء (ويبقى هذا الاستنتاج احتمال قابل للتحقق والتثبت وقد بنيت ذلك وفقا لاشارات المؤرخ شعيب الدوسري المتوفي عام 1365هـ في كتابه امتاع السامر حيث اكد الدوسري  موالاة بهيج لامارة الجبور ووجود حلف بين بني لام وشمر من عشائر طيء يتزعم  ذبيان الزبيدي وكان كثير الغارات بهم على قوافل الشام حتى قتل في عام 909هـ) ومع ان اغلب المؤرخين والباحثين يبدون تحفظات كبيرة على تلك المعلومات التاريخية التي وردت في كتاب امتاع السامر فلا مانع من الاستئناس بها و تتبعها وتدوينها خصوصا الاشارات التي اوردها الدوسري عن تاريخ بهيج وبني لام وشمر لان مااورده يتفق مع المنقول شفهيا من رواة شمر ومع المكتوب والمدون في الوثائق العثمانية التي اوردها الدكتور عبدالكريم الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقاتهم بنجد حيث اكدت تلك الوثائق ان بني لام وشمر في سنة 986هـ  هاجمت مع حاكم البصرة  زعماء بني خالد في الاحساء وعلى الرغم من تضارب تلك الروايات التي ذكرت بهيج وبني لام وشمر في سياقاتها المختلفة إلا انه من المؤكد لي وجود ارتباط  يجمع الطائيين من بني لام وشمر ببهيج الزبيدي وان انقسام هذا الحلف القبلي ادى الى ظهور قبيلة شمر الحالية ببطونها الثلاثة (زوبع وعبده والاسلم) كقوة قبلية طائية منتصرة و صاعدة في جبلي طيء وللمحافظة على ذلك الانتصار وتلك المكاسب التي حققتها على مثيلاتها من القبائل الطائية الموجودة في المنطقة تغير اسم الجبل القديم (جبلي طيء) الى اسمه الجديد ( جبلي شمر ) بحدود اواخر القرن العاشر الهجري

  ويرى اكثر المؤرخون ان تاريخ جلاء بهيج الزبيدي كان في بداية القرن العاشر الهجري أي بعد عام 913هـ وهذا التاريخ يوافق بداية ضعف الامارة الجبرية وانحسار نفوذها عن منطقة نجد
 
وقد تم حصار بهيج في عقدة بعد ان اجتمعت القبائل الطائية تحت جبهة واحدة اسمها شمر (الأسلم وزوبع وعبده) استسلم بعدها ودخل في وجه مردان بن ربيع بن محمد الأصفر وهاجر الى العراق حيث كانت تقيم عشائر العبيد والجبور الزبيدية يقول في قصيدته المشهورة
         جلونا عن ديارنا العذيات شمر
                              قراح وبرد ماء يـــداوي الـغلايل

               ونحيا رقاب القود عنهم وغربن  
                            ودموع الزبيدات على النجدات سايل

         لاصار ماعـــــدل يعادل عديلــــــه
                         ماينقــــعد بالدار والشــــــيل مـــايل

ولاصار ماحكم الفتى بــــذراعه
                      هبـــــيت ياحـــكم   يجــىءبالدخـــــايل                            

          صبار على الزهدة بسو فعلهم
                              بالنسب ما يوجد لهم بالقبايل                                                   
        لئام لو حججتهم كعبة الرضا
                           يجازونك عنها البايرات الفسايل


هذه قصيدة بهيج وهذه الأبيات المؤكدة فيها فأكثر المؤرخين والأدباء والنقاد من شمر يرون ان هذه  الأبيات الصحيحة وماعداها يعد في خانة الإضافة والتزوير وتقول الروايات ان بهيج عاد وهزم بعض شمر في الخاصرة لكنه هزم مرة ثانية وعاد الى العراق

هذا مااستطعت جمعه حول تاريخ جبل شمر  في القرن العاشر الهجري وزعامة بهيج بن ذبيان في عقده  والقبائل الطائية كبني لام الذين كانت لهم السيادة والنفوذ في الجبل الى اواخر القرن العاشر الهجري  وكما ذكرت سابقا ان تلك الروايات والقصص بالغة في زعامة بهيج وجعلته حاكم لجبل طيء مع  انه زعيم لعشيرته فقط  وحليف لبعض القبائل الطائية ويعذرني الاخوة القراء ان كان هناك نقص في المعلومات التاريخية لانني لم استطع إلا جمع هذه المعلومات وقراءتها تاريخياً من خلال التحليل والاستنباط والمقارنة والربط
المصادر والمراجع التاريخية لهذه القراءة هي
1-    عشائر العراق - عباس العزاوي
2-    مجلة العرب - حمد الجاسر
3-    ال جرباء في التاريخ والادب - ابن عقيل الظاهري
4-    منطقة حائل عبر التاريخ  -عبدالرحمن السويداء
5-    مجلة العرب -احمد الفهد العريفي
6-     نهاية الارب -القلقشندي
7-     معجم البلدان - ياقوت الحموي
8-    ال ربيعة الطائيون – فرحان سعيد
9-    روايات الراوي مهنا بن شايع بن نويشي الثنيان يرحمه الله
10- روايات واشعار الراوي والاديب سعيد بن فهيد الهمزاني  الاسلمي الشمري
    11-امتاع السامر – الجزء الثاني – شعيب الدوسري
     12- بنو خالد وعلاقاتهم بنجد- عبدالكريم المنيف الوهبي
13- التاريخ السياسي لامارة الجبور – عبداللطيف الحميدان

هناك تعليقان (2):

  1. احسنت بارك الله فيك . واصل في تلخيص المراجع ونشر المعلومات جزاك الله خير

    ردحذف
  2. كلام عائم وغير مترابط وجله غير صحيح

    ردحذف