الأربعاء، 27 مارس 2013

تاريخ نشأة الحفير في عهد الدولة السعودية الاولى

تاريخ نشأة الحفير في عهد الدولة السعودية الاولى

*دورالشيخ مطلق بن ثنيان في  نشأة وبناء بلدة الحفير
الحفير قرية تقع إلى الشمال الغربي من منطقة حائل بحوالي 70 كيلو متر وتحديداً غرب جبل أجا ووسط النفود وهذه القرية عبارة عن واحة صحراوية تحيط بها الرمال من جميع جهاتها ويبدو جبل الخشب الذي يقع إلى الغرب منها والذي تكسوه الرمال المعلم البارز بها إضافة إلى وجود مزارع عديدة تمارس فيها زراعة النخيل والقمح وغيرها
وتعد الحفير من القرى التي كانت مأهولة بالسكان منذ العصور القديمة وتوجد بها اثار تعود الى الثموديين والبابليين مما يدل على انها كانت محطة مهمة لهم في تنقلاتهم التجارية داخل جزيرة العرب ومن ابرز الذين زاروا الحفير في القرن السابع الهجري بحدود عام 620هـ وكتبوا عنها الرحالة ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان((1 ذكر ان الحفير((عبارة عن واحة صحراوية فيها مياه وفيرة وزراعة خصبة سكانها من بني فرير الطائيين)) ولم يذكر لنا ياقوت تفاصيل أكثر مماذكره أبان تلك الفترة لكن الشيخ المؤرخ حمد الجاسر ذكر بأن عشائر الزميل سكنت الحفير في القرن الحادي عشر الهجري *ممايعني في تصوري ان هناك فترة طويلة ظل فيها الحفير خالياً من السكان والحياة قد تصل إلى قرنين من الزمان والدليل انه قبل ان يكتشفه الذرفي كان خالياً من السكان والحياة وإنني في الحقيقة استبعد ماذكره الجاسر وهو ان عشائر الزميل سكنته في القرن الحادي عشر الهجري لأن الذرفي عندما اكتشفه كان ذلك في فترة الشيخ مطلق بن ثنيان (2) والمعروف لنا ان مطلق عاش في النصف الثاني من القرن الثاني عشرالهجري وبداية القرن الثالث عشر الهجري حيث عاصر فترة توسع الدولة السعودية الأولى وضمها لجبل شمر عام 1201 هـ وماتلى ذلك من أحداث وحروب بين آل سعود وال جربا (معركة العدوة 1205هـ) ويبدو لي من خلال ذلك ان اكتشافه كان في الثلث الاخير من  القرن الثاني عشر الهجري أي بحدود عام (1180هـ) على الارجح
أما بالنسبة لقصة اكتشاف الحفير فقد جاءتنا عن طريق رواية شفهية متناقلة ومتفق عليها تماماً من الأجداد إلى الاباء إلى الأبناء تقول القصة ان هناك رجلاً يدعى الذرفي (2) كان يرعى أغنامه في المكان الذي قام فيه الحفير وفي يوم من الأيام وجد بئر ماء ففرح بما اكتشفه لأن اكتشاف بئر ماء في ذلك الزمان يعني اكتشاف بئر نفط في هذا الزمان لأن الماء في تلك الفترة شحيح ويشكل مورداً مهماً لحياة البداوة والحضارة وقام الذرفي بسقي أغنامه من هذه البئر وزراعة عدداً من الشجيرات حوله لكن هذه الفرحة لم تتم بسبب قدوم زعيم له نفوذ قوي في المنطقة وقال له ماالذي جاء بك الى هذا المكان الم تعلم ان هذه المنطقة لي وقام بتقطيع تلك الشجيرات التي زرعها الذرفي وأمره بان يغادر المنطقة وإلا سوف يكون مصيره القتل فحمل الذرفي عدداً من أوراق الشجيرات التي زرعها وخبأها في جيبه واتجه شرقاً وبالتحديد إلى النهادة (3) حيث كانت تقيم عشائر الزميل بزعامة الشيخ مطلق بن ثنيان وكانت عشائر الزميل تقيم في المنطقة مابين تلعة شوط إلى النهادة وتوارن والعاجزة وعلى امتداد جبل أجا الغربي فاخبر الذرفي الشيخ مطلق بتفاصيل ماجرى له وطلب منه المساعدة والنصرة شريطة أن تكون تلك البئرله وباقي الارض هي للشيخ ابن ثنيان وجماعته الزميل فوافق الشيخ مطلق وتمت الهجرة إلى الحفير وعندما وصلوا إلى هناك أمر الشيخ مطلق بن ثنيان عشائر الزميل التي كانت معه بأن تقوم بحفر ابارها وتمت عملية التقسيم فكان من نصيب الذرفي تلك البئر بناءَ على ماتم الاتفاق عليه فاصبح الحفير من المناطق الحيوية الزراعية أما بالنسبة لنفوذ ذلك الزعيم فقد تلاشى وانحسر أمام قوة ونفوذ الشيخ مطلق بن ثنيان
وأصبح الحفير منذ ان سكنته عشائر الزميل محط أنظار الجميع خصوصاً العشائر المهاجرة من قراها بسبب الأمراض وكانت عشيرة من بني تميم (4) قد هاجرت من قفار بسبب مايعرف بحمى قفار وطلبت من شيخ الزميل ابن ثنيان الاستقرار في الحفير وقد استقبلهم بصدر رحب وقال لهم انتم ضيوفاً عندنا اذا شئتم العمل في مزارعنا فلكم ذلك شريطة ان يكون نتاج المحصول بالمناصفة بيننا وبينكم منا الارض والماء ومنكم العمل فوافقوا على ذلك وبدأ العمل ومن المعروف لنا ان بني تميم لديهم مهارة عالية في زراعة النخيل وتأبيرها فأصبح الحفير مزدهراً زراعياً
وكان من عادة عشائر الزميل ان تخرج في فصل الربيع بمواشيها نحو المراعي الجيدة وتعود إلى الحفير في فصل الصيف وفي أثناء عودتهم اخبر احد الأشخاص الشيخ زايد بن ثنيان بأن بني تميم قابلوا الإحسان بالإساءة وشرح له كيف أنهم وضعوا اسوار ومتاريس ( وسائل دفاعية) وانه رأى بعضهم يعرضون بسيوفهم ويرجزون الاشعار من ذلك قولهم:
ياغرسة جبارة والمي من تحتها يجري نذبح بها سنجارة ياجويهل ماتدري
عندئذ استعد رجال وفرسان الزميل للحرب وقرروا الزحف تجاه الحفير ومنازلة الأعداء إلا أن حكمة ودهاء وحزم الشيخ زايد كانت فوق كل صوت اندفاعياً فطلب من عشائر الزميل ورجالها بأن لايدخلوا الحفير الإ بعدما يسمح لهم فذهب إلى أطراف الحفير وذبح جزوراً وأرسل لبني تميم مرسولاً يخبرهم بأنهم مدعون للغداء من قبل الشيخ زايد فلبوا النداء وحضروا هم ونسائهم وأطفالهم وعندما انتهوا من تناول طعام الغداء قال لهم الشيخ زايد انتم دخلتم إلى الحفير بسلام ونحن استقبلناكم بسلام و بصدر رحب ضيوفاً كرام وأشركناكم بحلالنا لكنكم قابلتم الإحسان بالإساءة فانتم امام خيارين خيار النجاة والسلام وطريقه من (( معدي)) وخيار الحرب والموت وطريقه هناك يشير إلى فرسان الزميل الذين دخلوا الحفير بعد اذنه وتمترسوا استعداداً للقتال فما كان من بني تميم إلا خيار طريق(( معدي)) بعد أن زودهم الشيخ زايد بركائب يقال أنها خمسين ذلولاً لكي يحملوا أمتعتهم ومن هنا تبرز لنا أهمية ان يتحلى الزعيم بالحكمة والدهاء وحسن التصرف والحزم عندما يتطلب الأمر ذلك(5(
وتجدر الإشارة إلى ان الحفير كان حاله كحال بقية المناطق الموالية للدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة وحافظ شيوخ الزميل من الثنيان على علاقة طيبة مبنية على التعاون والاحترام مع أمراء حائل من آل على(6) التابعين للدولة السعودية الأولى و الذين كان لهم دور في نشر الدعوة الإصلاحية شمال نجد من خلال ماقام به أمير الجبل في تلك الفترة محمد بن عبد المحسن العلي(7) من غزوات على الجوف ووادي السرحان إلى حدود بادية الشام
وفي عهد حكومتنا الرشيدة لقي الحفير اهتماماً من قبلها حيث تمت تعبيد الطريق الذي يربطها بحائل والذي كان أهالي الحفير يعانون الأمرين بسبب وعورة الطريق الرملي وتم توصيل الكهرباء ثم الهاتف والبريد وتم افتتاح مركز صحي للرعاية الأولية وتم افتتاح مدارس متعددة المراحل للبنين والبنات وتم افتتاح مركز تابعاً لإمارة حائل فيه وأصبح الحفير بلداً ينال نصيباً من رعاية حكومتنا الرشيدة ويسكن الحفير حالياً عشائر الزميل الثنيان والسلمان والعجي والذرفان واللويش وغيرهم ولقد
تغنى بها شعراء الزميل وشمر يقول الشاعر أبو مرضي خالد المشيط   الزميلي
  
و تر دارنا غربي جبـل طـي تفـرق
--------------- يحيـط بـه رمـل النفـود الدقـاقـي
دارٍ لنـا مـن دور زايـد و مطـلـق
------------- حامينـهـا بمصـقـلاتٍ عـتـاقـي
و جموع يا مالت على الضـد يزهـق
--------------- شوفـه يسبـب للمـعـادي ضيـاقـي
و أملاكنا من رأس أجاءالضلع تشلـق
--------------- وديـان بـه غيـدٍ زهـت بالشقاقـي


ويقول الاديب والراوية سعيد بن فهيد الهمزاني الاسلمي
لحفير زايد و مطلق غبشةٍ ورّه
==========
و أشرف معدّي كنوز المجد و نحاسه
دارٍ فللها على الأنفاد مسفرّه
==========
و رجالها أولاد الأزمل يعجبك باسه
ربعٍ بحلق المعادي عظم حنجرّه
==========
ذخيرة الدار ضد أعداه و أشراسه
دارٍ لهم ذايقينٍ عطفها و برّه
=========
و ضلع الخشب هم سناء مجده و نبراسه من دور زايد و مطلق ذودها مطرّه
==========
أوبارها من حرير و درّها لناسه




.................................................. ................................................
(1)
معجم البلدان -ياقوت الحموي*  ويبدو لي ان هجرة بني فرير من الحفير الى العراق كانت في القرن العاشر الهجري أي بعد عام 900هـ لان القلقشندي المتوفي سنة 821هـ ذكر ان بني فرير كانت من ضمن القبائل الطائية المتحالفة مع امارة ال فضل الطائية في الجبلين وهم كما ذكر العزاوي والسامرائي في عداد قبيلة المسعود في العراق وجزء منهم في الموصل وشيخهم ابراهيم بن رومي ومن الواضح لي ان اسم الحفير ظل متداول ومعروف عند الزميل ولم يندرس هذا الاسم او يجري له تصحيف وهذا يدل ان هناك ذاكرة بعيدة لاسم الحفير ظالت عالقة في اذهان الزميل فربما كان من مراعيهم سابقاً قبل اكتشافه بدليل انهم اسموه حفير باسمه القديم
(2)
الشيخ مطلق بن سعد بن ثنيان شيخ الزميل واحد شيوخ حلف الصايح الاحرار من شمر)ابن ثنيان-التمياط -ابن طواله-الصديد(ويعد الباني والمؤسس الحقيقي للحفير كقرية ومورد مائي للزميل فيه املاكهم وابارهم خارج املاكهم الاولى في توارن وشوط
(3)
الذرفان عشيرة من عشائر الزميل عرفوا بالحمية والشجاعة والكرم ويسكنون الحفير والجديدة وغيرها
(4)
النهادة : جبل يقع الى الشمال الغربي من جبل اجا الغربي ويفصلهما وادي يعرف بسدير
(5)
عشيرة من تميم:هم عشيرة المفيد وقد نزلوا السبعان بعد خروجهم من الحفير عام 1235هـ بعد ان منحهم ارضه مغارسة شيخ الاسلم نعيس بن طواله انظر كتاب السويداء (منطقة حائل عبر التاريخ (
(6)
عرف عن الشيخ زايد بن ثنيان يرحمه الله صفات عديدة من اهمها الفطنة والذكاء والدهاء والحزم وحسن التصرف والتواضع والكرم والاخاء والحرص على جمع كلمة عشائر الزميل في جو من الالفة والمحبة
(7)
ال علي امراء حائل في عهد الدولة السعودية الاولى وهم يرجعون الى الجعفر من عبده من شمر
(8)
الامير محمد بن عبدالمحسن العلي عرف بشجاعته وفروسيته وتحمسه لنشر الدعوة الاصلاحية وله الدور الاكبر في نشرها شمال جبل شمر حتى بادية الشام وقد قتله رجال ابراهيم باشا غيلة في عام 1234هـ يقول الشاعر
ياحيف رأس الشيخ تلعب بها الروم = متقابلين بينهم يجزرونه
وقد حز رأسه وارسل الى اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية اما جسده فقد دفن في مقبرة الزبارة بحائل
انظر كتاب نشأة امارة الرشيد تاليف الدكتور العثيمين وكتاب امارة العلي في حائل تاليف اللواء الركن محمد المهنا العلي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق