الأربعاء، 27 مارس 2013

التاريخ السياسي لامارة ال فضل الطائية في جبلي طيء (الجزء الثاني)

التاريخ السياسي لامارة ال فضل الطائية في جبلي طيء (الجزء الثاني) 
                                                                                                                                     يقول القلقشندي في كتابه قلائد الجمان (المشهور من ال ربيعة هم بنو فضل بن ربيعة واعظمهم شأن وارفعهم قدر ال عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن عقبه بن فضل بن ربيعة  الطائي واميرهم اعلى رتبة عند الملوك من سائر العرب وهم ملوك البر ولهم مياه ومناهل كثيرة ضربوا الارض نطاقا وتفرقوا شاما وعراقا وحجازا  وهم بيوت عدة بيت  مهنا بن عيسى واميرهم احمد بن مهنا وبيت فضل بن عيسى  واميرهم سيف بن فضل وبيت حارث بن عيسى واميرهم قتادة بن حارث )
الواضح لي من خلال كلام القلقشندي عن ال فضل بن ربيعة انهم امراء العرب والبادية وهم اشراف طيء ويسيطرون سياسيا على منطقة واسعة  من بادية الشام والعراق والحجاز وبرية نجد (جبلي طيء) وكانوا يحرصون على تأمين سلامة الطرق الحيوية طرق الحج والتجارة فقد اشار القلقشندي الى ذلك بقوله( احاطوا بالبر من جميع اقطاره وداروا على البلاد اسوار حصينة وحرسوه من سائر مواضعه وآفاته وصانوه من كل طارق يطرق وسارق يتسلل ويتسرق فلا تبصر إلا مرسى خيامهم) ويفهم من كلام القلقشندي ان لهم نفوذ سياسي واسع في البر وعلى القبائل التي كانت تقيم فيه سواء كانت طائية او غيرها وانهم كانوا يتحركون في منطقة برية واسعة من الشام الى العراق والحجاز وبرية نجد (جبلي طيء) للسيطرة على تحركات القبائل التي تخل بأمن طرق الحج والتجارة وكانوا يعتمدون على القبائل الطائية التي كانت تتحرك من جبلي طيء نحو المنطقة التي تقع بين اطراف العراق والشام والحجاز
                                                                                                                                     وقد ذكرت فيما سبق ان ال فضل بن ربيعة الطائيين كان لهم نفوذ سياسي في المنطقة التي تقع بين الشام والعراق والحجاز او مايعرف ببرية الحجاز والتي تدخل ضمنها منطقة جبلي طيء و كان لبني لام الطائيين منذو عام 600هـ قوة وسطوة وامتدت باديتهم من غرب الجبلين الى المدينة وشمال الحجاز واصبحوا قوة ضاربة على الارض خصوصا بعد ان قتلوا اثنين من اشراف المدينة الهواشم واضطر الشريف منصور بن جماز الى عقد صلح معهم عام 700هـ
ولقد اشار الرحالة علي بن سعيد المتوفي عام 685هـ ان الصولة والقوة فيمابين المدينة والعراق لبني لام وبنو النبهان من طيء  وهذا دليلا على ان هذه المنطقة التي تقع غرب الجبلين والتي تعرف بشمال الحجاز العلا وخيبر وتيماء ومايليها شمالا كانت تحت السيطرة الطائية والنفوذ الطائي وان اغلب القبائل الاخرى التي تقيم في هذه المنطقة هي تحت السيطرة الطائية وعلى الرغم ان بني لام هم اصحاب القوة والنفوذ إلا انهم كانوا تحت امرة  امارة ال فضل بن ربيعة الطائية وقد ذكر ذلك القلقشندي في كتابه نهاية الارب ان بني لام داخلين في امرة ال ربيعة وان منازلهم من المدينة الى الجبلين
ومما يدل على قوة بني لام الطائيين ان ابن تغري في كتابه النجوم الزاهرة ذكر ان امراء بني لام اجتمعوا  سنة 710هـ بالسلطان المملوكي محمد بن قلاوون ويبدو لي ان هذا الاجتماع كان كسبا لولاء هؤلاء الامراء ومن اجل المحافظة على سلامة طرق الحج والتجارة التي تمر في شمال الحجاز وجبلي طيء  كما ان المحامي فرحان سعيد اورد في كتابه( ال ربيعة الطائيون ) خبر مفاده ان السلطان المملوكي الظاهر برقوق  ارسل خلعته الى الامير ثامر بن قشعم سنة 795هـ  رئيس الغزي من بني لام الطائية لمواجهة الامير الطائي محمد بن حيار ال فضل الملقب بنعير وطرده من العراق فاجاب ثامر السلطان بالسمع والطاعة وسار بعربانه الى نعير وجازوا املاكه بالبصرة فاستولوا عليها وتشير بعض الروايات ان مسيره كان من جبلي طيء بينما تشير اخرى ان مسيره كان من العراق
وتجدر الاشارة الى ان بني لام هم من ابرز القبائل الطائية حلفا مع ابناء عمومتهم ال فضل بن ربيعة الى جانب ال غزية وال نبهان وشمر وزبيد وغيرها ويذكر الاستاذ ايمن النفجان (ان القبائل الطائية بيقيت في موطنها القديم جبلي طيء منذ العصر الجاهلي  وتوسعت مساكنها ناحية الغرب الى المدينة المنورة وناحية الشمال الى اطراف الشام والعراق) ويبدو لي ان بداية هذا التوسع حدث في القرن الرابع الهجري مابين 300-4000هـ
ومما يؤكد على حضور امراء ال فضل السياسي في نجد وتحديد في شمالها ان الامير مهنا بن عيسى بن مانع بن حديثة الطائي عاش فيها يقول الشاعرخليل الصفدي  في رثاءه
واقام في نجد بحصن مانع .... لاتستطيع له الجيوش تخلصا
وانا ارجح ان هذا الحصن هو في بلدة فيد سيما انها كانت محطة وسوق عظيم وتتمتع بمكانة علمية على طريق الحج والتجارة و تتوسط الطريق بين مكة والكوفة  فمن خلال هذه البلدة يسهل على من كان في مهمة سياسية او عسكرية تتمثل في ضبط الامن على هذا الطريق نظرا لموقعها المتوسط وقد ذكرت ان الرحالة ابن بطوطة التقى بابني الامير مهنا وهما فياض وحيار في فيد وواضح من كلام ابن بطوطة انهما في مهمة سياسية في جبلي طيء ولا استبعد ان يكون والدهما مرافق لهما فمن خلال رواية ابن بطوطة والصفدي اتضح لنا ان امراء ال فضل كانوا يحرصون على النجعة في جبلي طيء فترة من الزمن للقيام بالدور السياسي والامني المتمثل في تيسير امور مواكب الحجاج والتجار وضبط الامن على هذا الطريق الحيوي كما ان الامير حسام الدين مهنا بن عيسى بن مانع بن حديثة ال فضل كان قد اختلف مع سلاطين المماليك في مصر وخرج عن طاعتهم عدة مرات لذا ارى ان بواعث بقاءه في نجد كانت لتلك الاسباب انفة الذكر وكوسيلة للضغط السياسي على سلاطين المماليك عمد ال فضل على قطع الطرق وفرض ضرائب باهظة على الحجاج والتجار فقد تمرد الامير فياض بن مهنا كما ذكر المقريزي في سنة 754هـ فقطع طريق الحج  والتجارة العراقي في فيد مما ادى الى اعتقاله وسجنه في الاسكندرية وفي سنة 785هـ تعرض الامير قريش ال فضل الطائي لحجاج شيراز والبصرة والحسا ونهب  ماكانت تحمل قوافلهم من اموال كثيرة كما اعترض لطريق حجاج العراق وارغامهم بدفع مبالغ مالية باهظة على درب زبيدة وفي جبلي طيء ويبدو لي ان هذه الاعمال ماهي إلا وسيلة ضغط  سياسي للحصول على امتيازات اكثر من سلاطين المماليك وكان مسرح هذه العمليات هي الطرق الحيوية التي تمر عبر صحراء العراق باتجاه جبلي طيء وتحديدا في بلدة فيد وكوسيلة للكسب السياسي سعى ال فضل على استرضاء المماليك بالهدايا الثمينة كالخيول والابل وكما ذكرت سابقا ان عملية الاستقرار السياسي وانضباط الوضع الامني على هذه الطرق الحيوية في جبلي طيء مرتبط بحسن علاقات المماليك بامراء ال فضل الطائيين
والواضح لي ان قبيلة ال غزية وخصوصا بطن الاجود مثل البطنان والاساعدة وغيرهم هم من كان يقيمون حول مواردهم في جبلي طيء وفي مورد لينه والثعلبية وزرود وغيرها ووفقا لما ذكر العمري المتوفي سنة 749هـ  فهم من احلاف ال فضل الطائيين على هذا الطريق الحيوي المعروف بدرب زبيدة ويشير الاستاذ النفجان( ان ال فضل بن ربيعة تولوا امرة العرب رسمياً فهم يتنقلون مابين الشام ونجد ويحرصون على النجعة في جبلي طيء موطنهم الاصيل و اضاف  ان من مهامهم تأمين طرق الحج والتجارة والمشاركة بالجيوش وتزويد السلاطين بالخيل والابل وغالبية قبائل نجد متحالفة معهم )
ومن هنا نستطيع القول ان غرب جبلي طيء الى شمال الحجاز واطراف حدود الشام كانت السيطرة فيها طائية  ممثلة بقوة بني لام الطائية  وبني النبهان الطائيين اما شرق جبلي طيء فقد كانت السيطرة لبني غزية الطائية والكل داخل في حلف طائي اصيل مع امارة ال فضل بن ربيعة
اما بالنسبة للوضع في وسط جبلي طيء خصوصا جبل اجا فالواضح لي من خلال ماذكره ياقوت الحموي ان السيطرة فيه لبني شمر بن زهير الطائيين في اودية وقرى جبل اجا الشمالية والغربية كقرية توارن وشوط وغيرها على الارجح اضافة لتواجد بعض بطون بني ثعلبة بن سلامان  وبني جرم وبني سنبس في  جبل اجا (شوط وبلطة وجو وموقق والصهوة ورمان وغيرها) ويبدو لي ان حياتهم  مستقرة وليست مرتحلة لانهم يعتمدون على الزراعة في املاكهم داخل اودية جبل اجا من الشمال الى الجنوب وكانوا وفقا لماذكره ياقوت الحموي  انهم في القرن السابع الهجري(600-700هـ)
كما ان للطائيين تواجد في رمال عالج والمعروفة حاليا بالنفود الكبير  شمال جبلي طيء وشمر  فهناك ذكرا لبني فرير الطائيين في الحفير وعباقل (كنب الضلوع حاليا) وبني جرم الطائيين في العردة قرب جبل حبران  وبني بحتر الطائيين في رمال عالج وفقا لماذكره ياقوت الحموي بين عامي (600-700هـ)
وقد ذكر صاحب قلائد الجمان القلقشندي المتوفي عام 821هـ ان بني فرير ضمن الحلف القبلي الطائي مع امارة ال فضل بن ربيعة اضافة الى الحريث و سنبس
اما بالنسبة لبني شمر  فالواضح لي انهم كانوا ضمن هذا الحلف القبلي الطائي مع امارة ال فضل  فقد ورد ذكرهم عند العمري المتوفي عام 749هـ وعند القلقشندي المتوفي عام 821هـ انهم بجوار بني لام الطائيين في جبلي طيء  ولم يثبت في المصادر التاريخية هجرتهم الى بلاد العراق والشام قبل ظهور قبيلة شمر الطائية ببطونها الثلاثة في القرن العاشر الهجري فلم يبق مجال للشك والظن عندي بعدم ثبات هذا البطن الطائي الشهير في جبلي طيء وهو البطن الطائي الذي حوى البطون الطائية وضمها تحت اسمه بحدود منتصف القرن العاشر الهجري

وخلاصة القول
1-      ان قبيلة طيء ظلت باقية في جبلي اجا وسلمى من قبل الاسلام بحوالي 400سنة  واخذت بطونها تزداد تدريجيا وعلى الرغم من بعض الهجرات النسبية لطيء خلال الفتوحات الاسلامية لبلاد العراق والشام إلا ان ثقل القبيلة ببطونها المتعددة ظل راكزا في الجبلين
2-      ان قبيلة طيء ازداد عدد بطونها منذ القرن الرابع الهجري واتسعت باديتها منذ القرن السابع الهجري وبدأت تسيطر على مناطق حساسة كطرق الحج والتجارة التي تمر في غرب وشرق جبلي طيء
3-      ان امارة ال فضل بن ربيعة هي امارة طائية صريحة كان لاجداد ال فضل المعروفين بال جراح علاقة طيبة مع الفاطميين حيث اسسوا امارة عسقلان في فلسطين وامتداد نفوذهم الى فيد شرق جبلي طيء
4-      ان امارة ال فضل بن ربيعة برزت قوتها ونفوذها بعد ان توطدت علاقتها بدولة الايوبيين والمماليك وذلك من خلال تعاون واشتراك امراء هذه الامارة في صد الهجوم المغولي على العالم الاسلامي في بلاد العراق والشام انذاك
5-      ان نفوذ امارة ال فضل بن ربيعة السياسي بدأ يبرز في جبلي طيء بعد معركة لينه سنة 598هـ وبعد ان منح سلاطين المماليك امراء ال فضل امرة العرب والاعطيات والاقطاعات والالقاب الفخرية مثل شريف الدين وشمس الدين وحسام الدين وغيره خصوصا بعدما ابلى هؤلاء الامراء في المعارك ضد المغول
6-      ان امراء ال فضل كانوا يحرصون على النجعة في جبلي طيء لفترة من الزمن وكانوا يعتمدون على حلفائهم من القبائل الطائية التي تقيم في جبلي طيء مثل لام ونبهان وال غزية وغيرها
7-      ان علاقة امراء ال فضل بن ربيعة السياسية مع الدولة المملوكية في مصر كانت متذبذبة مابين الشقاق والوئام فعندما تتوتر العلاقة يختل الامن ويزداد الفساد على طرق الحج والتجارة المارة في جبلي طيء وعندما يعود الوئام بينهم ينضبط الامن والاستقرار على هذه الطرق الهامة
8-      ان زوال نفوذ امارة ال فضل بن ربيعة من جبلي طيء كان بعد مقتل نعير بن حيار الطائي سنة 808هـ أي في بداية القرن التاسع الهجري

بقلم الاستاذ
فايز بن عواد الثنيان
باحث ومؤرخ
28/12/1431هـ

هناك 3 تعليقات:

  1. بحث رائع والى الأمام

    ردحذف
  2. بني لام بقبائلها الثلاث (الفضول - الكثران - المغيرة ) تعتبر أقوى وأنقى القبائل العربية التي لم يدخلها تحالفات وصاحبة الصولة التاريخية المتفردة والتي أخضعت جميع القبائل تحت نفوذها وسلطانها هكذا تروي الكتب وهكذا نقل المؤرخون الثقات وكان مسرح الأحداث في نجد عندما كانت غناء ومخضرة بطله هذه القبيلة العظيمة وعندما أفقرت وأجدبت نجد ارتحلت جحافل هذه القبيلة العظيمة صوب العراق والشام وجعلت القبائل الأخرى التي كانت عبارة عن ضيوف شرف في حضرة بني لام تتصارع فيما بينها

    ردحذف
  3. بني لام من انى سيطرتهم قبيلة عنزة فاطلق بعدها المثل كل قوم دون عنزة

    ردحذف